فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نِعم فقال: {الله الذي جعل لكم الأنعام} وهي ثمانية الأزواج، ويضعف قول من أدرج فيها الخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم، وقول من خصها بالإبل وهو الزجاج.
{لتركبوا منها} وهي الإبل، إذ لم يعهد ركوب غيرها.
{ومنها تأكلون} عام في ثمانية الأزواج، ومن الأولى للتبعيض.
وقال ابن عطية: ومن الثانية لبيان الجنس، لأن الجمل منها يؤكل.
انتهى، ولا يظهر كونها لبيان الجنس، ويجوز أن تكون فيه للتبعيض ولابتداء الغاية.
ولما كان الركوب منها هو أعظم منفعة، إذ فيه منفعة الأكل والركوب.
وذكر إيضًا أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك، أكد منفعة الركوب بقوله: {ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} من بلوغ الأسفار الطويلة، وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة، وقضاء فريضة الحج، والغزو، وما أشبه ذلك من المنافع الدينية والدنيوية.
ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتبة عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب، أو مندوب كالحج وطلب العلم، دخل حرف التعليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات، فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا.
ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات، لم يجعل ذلك علة في الجعل، بل ذكر أن منها نأكل، ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك، كما أدخل لام التعليل في لتركبوها، ولم يدخلها على الزينة في قوله: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} ولما ذكر تعالى ما امتن به من منة الركوب للإبل في البر، ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال: {وعليها وعلى الفلك تحملون}.
ولما كان الفلك يصح أن يقال فيه: حمل في الفلك، كقوله: {احمل فيها} ويصح أن يقال فيه حمل على الفلك، اعتبر لفظ على لمناسبة قوله: {وعليها} وإن كان معنى في صحيحًا {ويريكم آياته} أي حججه وأدلته على وحدانيته.
{فأي آيات الله تنكرون} أي إنها كثيرة، فأيها ينكر؟ أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول، {فأي آيات الله} منصوب بتنكرون.
قال الزمخشري: {فأي آيات} جاءت على اللغة المستفيضة، وقولك: فأية آيات الله قليل، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو: حمار وحمارة غريب، وهي في أي أغرب لإبهامه.
انتهى، ومن قلة تأنيث: أي قوله:
بأي كتاب أم بأية سنة ** ترى حبهم عارًا عليّ وتحسب

وقوله: وهي في أي أغرب، إن عنى أيًا على الإطلاق فليس بصحيح، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة} ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول: يا أيها المرأة، إلا صاحب كتاب البديع في النحو.
وإن عنى غير المناداة، فكلامه صحيح، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة، وما في قوله: {فما أغنى} نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي، وما فيما كانوا مصدرية، أو بمعنى الذي، وهي في موضع رفع، والضمير في {جاءتهم} عائد على {الذين من قبلهم}.
وجاء قوله: {من العلم} على جهة التهكم بهم، أي في الحقيقة لا علم لهم، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم: {ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرًا منها منقلبًا} أو اعتقدوا أن عندهم علمًا يستغنون به عن علم الأنبياء، كما تزعم الفلاسفة.
والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.
ولما سمع سقراط، لعنه الله، بموسى، صلوات الله على نبينا وعليه، قيل له: لو هاجرت إليه، فقال: نحن قوم مهذبون، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا.
وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد.
وقيل: الضمير في {فرحوا} وفي {بما عندهم} عائد على الرسل، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم، وشكروا الله عليه، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق، وعلموا سوء عاقبتهم.
وقيل: الضمير في {فرحوا} عائد على الأمم، وفي {بما عندم} عائد على الرسل، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء.
وقال الزمخشري: ومنها، أي من الوجوه التي في الآية في قوله: {فرحوا بما عندهم من العلم} مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والسرور في تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم. انتهى.
ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام، نحو قولهم: شر أهر ذا ناب، على خلاف فيه، ولما آل أمره إلى الإيتاء المحصور جاز.
وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل، لأن في ذلك تخليطًا لمعاني الجمل المتباينة، فلا يوثق بشيء منها.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد {فرحوا بما عندهم من العلم} علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} ذلك مبلغهم من العلم، فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات، وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات، لم يلتفتوا إليها، وصغروها واستهزؤوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.
انتهى، وهو توجيه حسن، لكن فيه إكثار وشقشقة.
{بأسنا} أي عذابنا الشديد، حكى حال من آمن بعد تلبيس العذاب به، وأن ذلك لم يك نافعًا، وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإيمان، وتخويف من التأني.
فأما قوم يونس، فإنهم رأوا العذاب لم يلتبس بهم، وتقدمت قصتهم.
وإيمانهم مرفوع بيك اسمًا لها، أو فاعل ينفعهم.
وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في: كان يقوم زيد، ودخل حرف النفي على الكون، لا على النفي، لأنه يؤدي إلى نفي الصحة، إي لم يصح ولم يستقم لقوله: {ما كان لله أن يتخذ من ولد} وترادف هذه الفاءات، أما في {فما أغنى} فلأنه كان نتيجة قوله: {كانوا أكثر منهم ولما جاءتهم رسلهم} جار مجرى البيان والتفسير لقوله: {فما أغنى عنهم}.
و{فلما رأوا بأسنا} تابع لقوله: {فلما جاءتهم} كأنه قال: فكفروا به فلما رأوا بأسنا آمنوا ولم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأس الله، وانتصب سنة على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، أي أن ما فعل بهم هي سنة الله التي قد مضت وسبقت في عباده من إرسال الرسل والإعزاز بهم، وتعذيب من كذبهم واستهانتهم واستئصالهم بالهلاك، وعدم الانتفاع بالإيمان حالة تلبس العذاب بهم.
وهنالك ظرف مكان استعير للزمان، أي وخسر في ذلك الوقت الكافرون.
وقيل: سنة منصوب على التحذير، أي احذروا سنة الله يا أهل مكة في إعداد الرسل. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} إذْ قيلَ عددُ الأنبياءِ عليهم السلام مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفًا، والمذكورُ قصصُهم أفرادٌ معدودةٌ وقيلَ أربعةُ آلافً من بني إسرائيلَ وأربعةُ آلافٍ من سائرٍ النَّاسِ.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} أي وما صحَّ وما استقامَ لرسولٍ منُهم {أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإنَّ المعجزاتِ على تشعب فنونِها عطايَا من الله تعالَى قسمها بينُهم حسبَما اقتضتْهُ مشيئتُه المبنيةُ على الحكمِ البالغةِ كسائرِ القَسْمِ ليسَ لهم اختيارٌ في إيثارِ بعضِها والاستبدادِ بإتيانِ المقترحِ منَها {فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله} بالعذابِ في الدُّنيا والآخرةِ {قُضِىَ بالحق} بإنجاءِ المُحقِّ وإثابتِه وإهلاكِ المُبطلِ وتعذيبِه {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أي وقتَ مجيءِ أمرِ الله، اسمُ مكانٍ استعيرَ للزمانِ {المبطلون} أي المتمسكونَ بالباطلِ على الإطلاقِ فيدخلُ فيهم المعاندونَ المقترحونَ دخولًا أوليًّا.
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} قيلَ هيَ الإبلُ خَاصَّةً، أي خلقَها لأجلِكُم ومصلحتِكم.
وقوله تعالى: {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} تفصيلٌ لما دلَّ عليهِ اللامُ إجمالًا، ومِنْ لابتداءِ الغايةِ ومعناهَا ابتداءٌ الركوبِ والأكلِ منَها أي تعلقهُما بَها، وقيل: للتبعيضِ أي لتركبُوا بعضَها وتأكلُوا بعضَها لا على أَنَّ كلاَّ من الركوبِ والأكلِ مختصٌّ ببعضٍ معينٍ منها بحيثُ لا يجوزُ تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بلْ على أنَّ كلَّ بعضٍ منَها صالحٌ لكلَ منهما، وتغييرُ النظمِ الكريمِ في الجُملةِ الثانيةِ لمُراعاةِ الفواصلِ معَ الإشعارِ بأصالِة الركوبِ {وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أُخرُ غيرُ الركوبِ والأكلِ كألبانِها وأوبارِها وجلودِها {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} بحملِ أثقالِكم من بلدٍ إلى بلدٍ {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} لعلَّ المرادَ به حملُ النساءِ والولدانِ عليها بالهودجِ، وهو السرُّ في فصلِه عن الركوبِ. والجمعُ بينَها وبينَ الفلكِ في الحملِ لما بينَهمَا من المناسبةِ التامَّةِ حتى سُميتْ سفائنَ البرِّ وقيلَ: هي الأزواجُ الثمانيةُ فمعنى الركوبِ والأكلِ منها تعلقُهمَا بالكلِّ لكنْ لا على أنَّ كلاَّ منهُمَا تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بل على أنَّ بعضَها يتعلقُ به كلاهُما كالإبلِ والبقرِ، والمنافعُ تعمُّ الكلَّ، وبلوغُ الحاجةِ عليها يعمُّ البقرَ {وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائلَه الدالةَ على كمالِ قُدرتِه ووفورِ رحمتِه {فَأَىَّ ءايات الله} أي فأيَّ آيةٍ من تلكَ الآياتِ الباهرةِ {تُنكِرُونَ} فإنَّ كلًا منها من الظهورِ بحيثُ لا يكادُ يجترىءُ على إنكارِها مَنْ له عقلٌ في الجملةِ وهو ناصبٌ لأيَّ، وإضافةُ الآياتِ إلى الاسمِ الجليلِ لتربيةِ المهابةِ وتهويلِ إنكارِها وتذكير أيْ هُو الشائعُ المستفيضُ، والتأنيثُ قليلٌ لأنَّ التفرقةَ بين المذكِر والمؤنثِ في الأسماءِ غيرُ الصفاتِ نحوُ حمارٌ وحمارةٌ غريبٌ وهيَ في أيَ أغربُ لإبهامِه.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أي أقعدُوا فلم يسيُروا {فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأممِ المُهلكةِ.
وقوله تعالَى: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} إلخ استئنافٌ مسوقٌ لبيان مبادِي أحوالِهم وعواقِبها {وَءَاثَارًا في الأرض} باقيةً بعدَهُم من الأبنيةِ والقصورِ والمصانعِ، وقيل هي آثارُ أقدامِهم في الأرضِ لعظمِ أجرامِهم {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} مَا الأُولى نافيةٌ أو استفهاميةٌ منصوبةٌ بأَغْنَى، والثانيةُ موصولةٌ أو مصدريةٌ مرفوعةٌ، أيْ لَم يُغنِ عنهُم أو أيَّ شيءٍ أغنَى عنهُم مكسوبُهم أو كسبُهم.
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزاتِ أو بالآياتِ الواضحةِ {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} أي أظهرُوا الفرحَ بذلكَ وهو ما لَهُم من العقائدِ الزائغةِ والشُّبهِ الداخصةِ. وتسميتُها علمًا للتهكمِ بهم، أو علُم الطبائعِ والتنجيمِ والصنائعِ ونحوِ ذلك، أو هو علمُ الأنبياءِ الذي أظهرَهُ رسلُهم على أنَّ مَعْنى فرحِهم بهِ ضحِكُهم منْهُ واستهزاؤُهم بهِ، ويؤيدُه قولُه تعالى: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وقيلَ الفرحَ أيضًا للرسلِ فإنَّهم لمَّا شاهدُوا تماديَ جهلِهم وسوءَ عاقبتِهم فِرحُوا بمَا أُوتوا منَ العلمِ المُؤدِّي إلى حُسنِ العاقبةِ وشكرُوا الله عليهِ وحاقَ بالكافرينَ جزاءُ جهلِهم واستهزائِهم {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} شدةَ عذابِنا ومنْهُ قولُه تعالى: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} {قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} يعنونَ الأصنامَ {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي عندَ رؤيةِ عذابِنا لامتناعِ قَبولِه حينئذٍ ولذلكَ قيلَ فلم يكُ يمعَنْى لَم يصحَّ ولم يستقمْ. والفاءُ الأُولى لبيانِ عاقبةِ كثرتِهم وشدةِ قوتِهم وما كانُوا يكسبونَ بذلكَ زعمًا منهُم أنَّ ذلكَ يُغنِي عنُهم فلم يترتبْ عليهِ إلا عدمُ الإغناءِ فبهذا الاعتبارِ جرى مَجرى النتيجةِ وإنْ كانَ عكسَ الغرضِ ونقيضَ المطلوبِ كَما في قولِك وعظتُه فلم يتعظْ، والثانيةُ تفسيرٌ وتفصيلٌ لما أُبهمَ وأُجملَ من عدمِ الإغناءِ وقد كثُر في الكلامِ مثلُ هذه الفاءِ ومبناهَا على أنَّ التفسيرَ بعدَ الإبهامِ والتفصيلَ بعد الإجمالِ، والثالثةُ لمجردِ التعقيبِ وجعلِ ما بعدَها تابعًا لما قبلَها واقعًا عقيبه لأنَّ مضمونَ قوله تعالى: {فلمَّا جاءتْهُم}. إلخ. هُو أنَّهم كفُروا فصارَ مجموعُ الكلامِ بمنزلةِ أنْ يقالَ فكفرُوا ثمَّ لما رَأَوا بأسَنا آمنُوا، والرابعةُ للعطفِ على آمنُوا كأنَّه قيلَ فآمنُوا فلم ينفعْهُم لأنَّ النافعَ هُو الإيمانُ الاختياريُّ {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} أي سَنَّ الله تعالَى ذلكَ سُنَّةً ماضيةً في العباد وهو من المصادر المؤكدةِ {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي وقتَ رؤيتِهم البأسَ على أنَّه اسمُ مكانٍ قد استُعيرَ للزمانِ كما سلفَ آنِفًا. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{ويا قوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة} يعني: أن حزبيل قال لقومه: ما لي أدعوكم إلى التوحيد، والطاعة، وذلك سبب النجاة، والمغفرة، فلم تطيعوني، {وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار} يعني: إلى عمل أهل النار.
ثم بيّن عمل أهل النار فقال: {تَدْعُونَنِى لاَكْفُرَ بالله} يعني: لأجحد بوحدانية الله، {وَأُشْرِكَ بِهِ} أي: أشرك بالله، {مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ} يعني: ما ليس لي به حجة بأن مع الله شريكًا، {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار} يعني: إلى دين العزيز الغفار {العزيز} في ملكه {الغفار} لمن تاب.
{لاَ جَرَمَ} أي: حقًا يقال: {لاَ جَرَمَ} يعني: لا بد.
{أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدنيا} أي: ليس له قدرة.
ويقال: ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا.
{وَلاَ في الآخرة وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله} أي مصيرنا، ومرجعنا إلى الله يوم القيامة، {وَأَنَّ المسرفين} يعني: المشركين، {هُمْ أصحاب النار} يعني: هم في النار أبدًا.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} يعني: ستعرفون إذا نزل بكم العذاب، وتعلمون أن ما أقول لكم من النصيحة أنه حق.
{وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله} يعني: أمر نفسي إلى الله، وأدع تدبيري إليه، {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} يعني: عالم بأعمالهم، وبثوابهم.
فأرادوا قتله، فهرب منهم، فبعث فرعون في طلبه، فلم يقدروا عليه، فذلك قوله: {فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} يعني: دفع الله عنه شر ما أرادوا، {وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ} يعني: نزل بهم {سُوء العذاب} يعني: شدة العذاب، وهو الغرق.
{النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} قال ابن عباس: يعني: تعرض أرواحهم على النار، {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} هكذا قال قتادة، ومجاهد، وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين.
وقال ابن مسعود: أَرْوَاحُهُم في جوْف طَيْر سُودٍ يَرَوْنَ مَنَازِلهم غُدوة وَعَشِيَّةً.
وقال هذيل بن شرحبيل: أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.
وإن أرواح آل فرعون في جوف طير سود تغدو، وتروح، على النار فذلك عرضها.
والآية تدل على إثبات عذاب القبر، لأنه ذكر دخولهم النار يوم القيامة.